المقدمة
التاريخ الإسلامي مليء بالشخصيات الفريدة التي لم تكن من الصحابة لكنها بلغت منازل رفيعة في التقوى والورع، ومن أبرزهم عويس القرني، الرجل الذي وصفه النبي ﷺ بأنه لو أقسم على الله لأبرّه. ورغم أنه لم ينل شرف رؤية النبي ﷺ، إلا أن مكانته في الإسلام جعلته معروفًا بين الصحابة والتابعين. فمن هو عويس القرني؟ وما سرّ هذه المنزلة العظيمة التي حظي بها؟
أصل ونسب عويس القرني
عويس بن عامر القَرَني ينتمي إلى قبيلة مراد في اليمن، وهي فرع من قبيلة مذحج. وُلِد في أسرة متواضعة، لكنه تميز منذ صغره بالتقوى، والعبادة، والعزوف عن الدنيا.
إسلامه وبره بوالدته
أسلم عويس في عهد النبي ﷺ، لكنه لم يتمكن من السفر إلى المدينة بسبب رعايته لوالدته، إذ لم يكن لها أحد غيره. وكان يرى أن برّها وطاعتها من أعظم القربات إلى الله، فأبى أن يتركها حتى في سبيل لقاء النبي ﷺ. وهذا الموقف جعله رمزًا خالدًا في برّ الوالدين، حيث فضّل طاعة أمه على رؤية النبي الكريم.
حديث النبي ﷺ عن عويس
كان النبي ﷺ يعلم بأمر عويس من الوحي، فقال للصحابة، وبالأخص عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب:
"يأتي عليكم عويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل." (رواه مسلم)
وهذا الحديث يوضح مكانة عويس، إذ جعله النبي ﷺ من الصالحين الذين تستجاب دعواتهم.
لقاء عمر بن الخطاب بعويس
بعد وفاة النبي ﷺ، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يترقب قدوم وفود اليمن للحج كل عام بحثًا عن عويس، حتى وجده يومًا وسأله:
- عمر: أأنت عويس بن عامر؟
- عويس: نعم.
- عمر: من مراد ثم من قرن؟
- عويس: نعم.
- عمر: كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟
- عويس: نعم.
- عمر: لك والدة وأنت بها بَرٌّ؟
- عويس: نعم.
عندها طلب عمر من عويس أن يستغفر له، فاستغفر له عويس. وبعد ذلك، حاول عويس أن يظل بعيدًا عن الأضواء، فرحل إلى الكوفة ليكمل حياته في العبادة والزهد.
زهده في الدنيا
كان عويس يعيش حياة زهدٍ حقيقي، لا يطلب شيئًا من أحد، ويعمل في رعي الغنم لكسب رزقه. ورغم شهرته بين الناس بعد حديث النبي ﷺ عنه، فإنه كان يفرّ من الأضواء، وكان يقول:
"اللهم اجعلني مغمورًا لا يُعرفني أحد، فإن كان لي عندك خير فاكشفه لي يوم القيامة، وإن كان غير ذلك فاسترني في الدنيا."
استشهاده في معركة صفين
عندما وقعت معركة صفّين بين جيش علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، انضم عويس إلى جيش علي رضي الله عنه، قتالًا في سبيل الحق. وقد قاتل بشجاعة حتى استُشهد في المعركة، ليختم حياته بالشهادة.
الدروس المستفادة من قصة عويس القرني
- برّ الوالدين فوق كل شيء: عويس ضحّى بلقاء النبي ﷺ من أجل والدته، فرفعه الله.
- التواضع الحقيقي: رغم معرفته بمكانته، رفض الشهرة وعاش زاهدًا.
- العبادة الصادقة: لم يكن يتظاهر بالتدين، بل عاش مخلصًا لله وحده.
- الدعاء المستجاب: كان من الأولياء الذين يجيب الله دعاءهم.
- الثبات على الحق: اختار القتال مع علي رضي الله عنه لأنه رأى أن الحق معه.
خاتمة
عويس القرني لم يكن نبيًا، ولا صحابيًا، لكنه كان رجلًا صالحًا رفعه الله بطاعته وبرّه. قصته درس خالد في الإخلاص، والتواضع، والعبادة الحقيقية. فهل نستلهم من سيرته العطرة ونسير على نهجه؟
صورة احترافية للمقال
سأقوم الآن بإنشاء صورة تعبر عن المقال بشكل احترافي.
إرسال تعليق